جلسة الاستماع إلى وليد فياض تنتهي وإمكانية دعوته مجدداً قائمة
من هو العدو الفعلي للبنان؟
التزم لبنان منذ نشوء دولة إسرائيل بالموقف العربي المعادي بسبب حرمانها الشعب الفلسطيني من حقه بدولة، والمواجهة الوحيدة التي شارك فيها كانت في العام 1948 والتي انتهت بالوصول إلى اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل في العام 1949، والذي تم احترامه من البلدين إلى أن انتهكته المنظمات الفلسطينية، بدءاً من منتصف ستينات القرن الماضي وإسقاطه بالكامل بعد حرب العام 1967.
وقد ثبت أن أفضل خيار اعتمده لبنان في تاريخه كان في احترامه لاتفاقية الهدنة، والحقبة الذهبية التي عرفها سياسياً ومالياً واقتصادياً وثقافياً وسياحياً كانت بين توقيعَين: توقيع اتفاق الهدنة في العام 1949، وتوقيع اتفاق القاهرة في العام 1969، وبالتالي، كانت القيادة التي حكمت لبنان في تلك الحقبة جريئة وحكيمة في تصنيفها لبنان دولة مساندة في الموقف للدول العربية وليس دولة مواجهة، وعندما أجبر لبنان على التحول إلى دولة مواجهة مع تعطيل قرار الدولة بقوة الأمر الواقع تحوّل إلى ساحة موت وفوضى وحروب وكوارث، وفتح إسقاط الدولة الباب أمام السيطرة الأسدية ومن ثم الخامنئية على قراره، وجعلته الممانعة ساحة متقدمة لمشاريعها التخريبية ضد أهل القضية في فلسطين وضد أهل الدولة في لبنان.
وما زال لبنان لغاية اليوم يلتزم عن قناعة بالموقف القائل إن المدخل لأي تطبيع مع إسرائيل يكمن في إقرار الأخيرة بحقّ الشعب الفلسطيني في دولة، وجلّ ما يريده لبنان العودة إلى اتفاقية الهدنة لا التطبيع، والعنوان الأخير مفتعل من "حزب الله" بهدف حرف الأنظار عن ضرورة تفكيك بنيته العسكرية والتخلي عن مشروعه المسلّح تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية واتفاق الطائف، فيما المطروح اليوم لا التطبيع ولا من يحزنون، إنما أن تُمسك الدولة بحدودها وتسيطر على أرضها وتعيد العمل باتفاقية الهدنة لا أكثر ولا أقل.
ولكن ما يجدر قوله والإقرار به كحقائق بعيداً من المحاولات المستمرة لتشويه التاريخ يكمن في التالي:
أولاً، اتفاقية الهدنة أسقطت من قِبَل لبنان لا من قِبَل إسرائيل، وبالتالي تقع مسؤولية إسقاطها على الدولة اللبنانية التي لم تتمكّن للأسباب الداخلية المعروفة من ضبط حدودها ولا فرض سيادتها على غرار الأردن.
ثانياً، إسرائيل خرجت من لبنان في أيار 2000 إرادياً، ولو كان لديها أي أطماع أو نيات لسلام لما انسحبت، وبدلاً من أن يستفيد لبنان من تنفيذ إسرائيل للقرار 425 والعودة إلى اتفاقية الهدنة، اخترع ما يسمى مزارع شبعا المدرجة ضمن الأراضي السورية التي احتلتها تل أبيب على أثر حرب 1967 والتي تخضع للقرار 242، فيما اعتبرت المنظمة الدولية أن إدخال المزارع في إطار القرار 425 يتطلّب ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وتأكيد دمشق خطّياً بأن المزارع لبنانية لا سورية، الأمر الذي لم يحصل كون الممانعة لا تريد انسحاب إسرائيل، وما تريده هو ربط النزاع المسلّح تبريراً لسلاحها وهيمنتها على القرار اللبناني.
ثالثاً، صُدِم الرئيس حافظ الأسد بالخروج الإسرائيلي الآحادي لإدراكه أن خطوة من هذا القبيل تنقل الضغط على نظامه للخروج من لبنان، حيث كان يتذرّع بإسرائيل لإبقاء جيشه، وهذا ما حصل فعلاً بعد أشهر مع بيان مجلس المطارنة الأول، ولم تنفع حجة شبعا لثني البطريرك صفير عن المطالبة بخروج الجيش السوري.
فالقاعدة التي أرساها الأسد على أثر حرب 67: لا حرب مع إسرائيل ولا سلام، والقاعدة التي أرساها الأسد والخامنئي في لبنان مع إسرائيل: مناوشات دائمة تبرِّر احتفاظهما بورقة ما يسمى المقاومة كمدخل للسيطرة على لبنان.
رابعاً، من كان يمنع لبنان من العودة إلى اتفاقية الهدنة هما الأسد والخامنئي. وكان يجب أن يؤدي خروج الجيش الإسرائيلي تنفيذاً للقرار 425 إلى العودة لاتفاقية 1949، ولكن هذه العودة تنزع من يد الأسد والخامنئي ورقة ما يسمى المقاومة، وبالتالي مسؤولية عدم إحياء اتفاقية الهدنة لا تتحملها إسرائيل.
خامساً، من تسبّب في حرب تموز 2006 هو "حزب الله" لا إسرائيل، إذ هاجم "الحزب"دورية للجيش الإسرائيلي خارج إطار النزاع الذي فبركه مع الأسد وخطف جنديين وقتل 3 آخرين.
سادساً، من تسبّب في حرب تشرين الأول 2023 هو "حزب الله" لا إسرائيل، حيث أعلن الأمين العام لـ "الحزب" ما يسمى "حرب الإسناد" دعماً لحرب "طوفان الأقصى".
وانطلاقاً من كل ما تقدّم، يتبيّن أن الممانعة بتلاوينها كلها، عطلّت الدولة واستخدمت لبنان كمنصة لاستهداف إسرائيل بدءاً من منتصف ستينات القرن الماضي، وصولاً إلى 8 تشرين الأول 2023، ومن كان يرفض إحياء اتفاقية الهدنة التي نص عليها اتفاق الطائف ليس إسرائيل، إنما الممانعة التي منعت لبنان من تطبيق دستوره، ولو تم الحفاظ على الهدنة أساساً، لما كان دخل لبنان في جهنّم على مدى 60 عاماً.
ويتبيّن بالوقائع أن ما يسمى المقاومة هي الذريعة للسيطرة على لبنان في سياق المشروع الإيراني التوسعي، والعدو الفعلي للبنان هو من يمنع قيام دولة فعلية تُمسك وحدها بثلاثية السلاح وقرار الحرب والحدود، ومن منع قيام هذه الدولة هو نظام الأسد ومن ثم نظام الخامنئي وليس إسرائيل. وبالتالي، إن العدوّ الفعلي للبنان اليوم هو النظام التوسعي الإيراني، فيما العداء مع إسرائيل يرتبط بحق الفلسطينيين بدولة، وحله يكمن في تنفيذ المبادرة العربية للسلام، وأما الحلّ للمسألة الحدودية مع إسرائيل، فيكمن في إحياء الهدنة التي ينص عليها الدستور والقرارات الدولية ذات الصلة والتي أسقطت من الجانب اللبناني لا الإسرائيلي.
العدو الفعلي للبنان هو من أبقى لبنان ساحة، ومن حال دون تطبيق الدستور، ومن منع الدولة بأن تحتكر السلاح وتُمسك بقرار الحرب وتسيطر على الحدود والأرض، ومن رفض إحياء اتفاقية الهدنة، ومن ألحق لبنان بسوريا الأسد أولاً وإيران الخامنئي ثانياً، وبالتالي العدو الفعلي للبنان هو سوريا الأسد وإيران الخامنئي.
شارل جبور-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|